كتابات | آراء

القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «39»

القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «39»

لم ترغب القاهرة في منح اليمن فرصة لعقد اي نوع من الصفقات مع السوفييت من وراء ظهرها وفي الواقع أتاحت زيارة البدر لروسيا المساعدة الاقتصادية والفنية الروسية لليمن

وظلت علاقات اليمن مع مصر على أساس ودي وعندما اتحدت مصر وسوريا في فبراير 1958 لتشكيل الجمهورية العربية المتحدة طلب الامام أحمد قبول بلاده في الاتحاد وقد جاء البدر بنفسه إلى القاهرة للتوقيع على ميثاق الاتحاد الذي جمع مصر وسوريا واليمن تحت سقف سياسي مشترك ثم رافق الأمير اليمني جمال عبد الناصر والرئيس السوري شكري القوتلي إلى دمشق حيث لقي الثلاثي تصفيقا حارا وكان الجميع تقريباً في سوريا في ذلك الوقت مقتنعين بأن الوحدة العربية ستعمل على استعادة المجد القديم للعالم العربي وقوته وعلى الرغم من احتفاظها بحكومتها الملكية في الداخل ظلت اليمن جزءًا من الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1961 م خلال هذه الفترة دخل العديد من المهندسين والفنيين المصريين إلى البلاد ولكن على الرغم من أنه ربما تم تدريبهم كموظفين فنيين إلا أن عددًا كبيرًا منهم كانوا أعضاء في جهاز المخابرات المصرية ومن هذه الفئة من المصريين كان المقدم علي فهمي الذي دخل البلاد بصفتة مهندسا ولكن في الحقيقة كان مخططا خبيرا للثورات وأسس فهمي خلية للتجسس المصري في صنعاء العاصمة اليمنية وقام بتنظيم خلية تجسس أخرى في ميناء الحديدة الرئيسي على البحر الأحمر بصفته مهندسًا عسكريًا سافر كثيرًا في جميع أنحاء اليمن ظاهريًا بغرض تحليل متطلباتها الفنية لأعمال التحديث التي زعم المصريون أنهم حريصون على تحقيقها في الأراضي العربية المتخلفة في كل مكان، تمكن فهمي من كسب الأصدقاء والتأثير على الناس العسكريين والمدنيين واستطاع تجنيد العديد منهم ومن بين الأصدقاء الجدد الذين تعرف عليهم في اليمن العقيد عبد الله السلال آمر الكلية الحربية والمعلم السابق لولي العهد نفسه كان والد السلال وهو مواطن من صنعاء يعمل في جمع الحيوانات الضالة وكان واجبه هو محاولة العثور على أصحابها من خلال حملة يقوم بها في اسواق صنعاء وسميت بالمفقودات والموجودات عندما كان عبد الله السلال صبيا ساعد والده في هذه الوظيفة، تمكنت الأسرة من تغطية نفقاتها لكنها لم تكن ثرية على الإطلاق ومع ذلك كان جد الأمير البدر الملك والإمام يحيى(1948-1904) على استعداد دائمًا لمساعدة الأولاد الأذكياء في الحصول على التعليم وعندما لفت انتباهه عبد الله السلال أرسله إلى المدرسة على نفقته الخاصة في عام 1936 كان الشاب اليمني عضواً في مجموعة طلابية ذهبت إلى العراق للحصول على تعليم أعلى مما كان يمكن الحصول عليه في اليمن لعدة سنوات وقد التحق عبد الله بالكلية العسكرية في بغداد ولدى عودته إلى اليمن كلفه الامام يحيى قائداً لكتيبة في الجيش اليمني وفي عام 1948 قُتل الملك يحيى في مؤامرة وكان السلال مشتبهاً بتورطه في هذه القضية وتم القبض عليه في حملة اعتقال عامة للمتآمرين بأمر من الامام أحمد الذي نجح في تحقيق مطالبته بالعرش ومع ذلك سرعان ما نجح البدر في تأمين إطلاق سراح معلمه السابق وعينه قائداً لحرسه الشخصي.
بعد ذلك بقليل نجح البدر في تعيين السلال مديراً لميناء الحديدة وفي عام 1961 زار الملك أحمد هذا المكان وأصيب بجروح خطيرة على يد قاتل محتمل وكان من بين أعضاء لجنة التحقيق التي تم تشكيلها لبحث تداعيات هذه القضية عبد الله السلال ووزير خارجية المملكة اليمنية المتوكلية أحمد الشامي وقد نشأ شيء من الضجة عندما أشار أحد المشتبه بهم أثناء استجوابه من قبل هذه اللجنة إلى عبد الله السلال باعتباره أحد قادة مؤامرة القتل ونفى السلال تواطؤه وبعد يوم واحد من اعتقاله أطلقت سلطات التحقيق سراحه وفي ذلك الوقت كان محمد البدر في إيطاليا حيث كان عليه أن يخضع للعلاج الطبي وفي طريق عودته إلى اليمن توقف في القاهرة حيث التقى أعضاء الحكومة المصرية.
إن طبيعة هذه المداولات تظل مسألة تخمين الأمر المؤكد هو أنه بعد وقت قصير من عودة البدر إلى اليمن انسحبت تلك الدولة من الجمهورية العربية المتحدة واستأنفت وضعها القديم كمملكة عربية منفصلة وأعاد البدر تعيين السلال لقيادة حرسه الشخصي وقام المقدم فهمي بكسب السلال الذي سرعان ما انضم إلى خلية التجسس المصرية في العاصمة اليمنية وفي 28 سبتمبر 1961 حدث انقلاب في سوريا من قبل عناصر معارضة للوحدة المصرية السورية وقبل أسبوع واحد فقط من وقوع هذه الحادثة كان فهمي في حلب وقامت شرطة الأمن العام السورية بضبط أمتعته رغم أنه كان قد ذهب بنفسه إلى لبنان قبل الانقلاب ومن بين الوثائق والتقارير السرية التي عثر عليها السوريون في أمتعته ما يلي: اتحاد اليمن مع مصر وسوريا لن يحرر اليمني من النظام الإمامي إلا إذا تم تدمير العرش نفسه كما تم إسقاط عرش الملك فاروق الذي خلعه عبد الناصر عام 1952 واستبداله بالجمهورية وطالما استمر النظام الإسلامي في العمل فلن نتمكن من فرض نفس النظام الذي أدخلناه على سوريا التي أصبحت بحكم اتحادها مع مصر جزءا من مصر ولا ينبغي لنا أن نبذل جهداً يذكر للسيطرة على مسار الأحداث في سوريا والاحتفاظ بسلطتنا عليها ومن ناحية أخرى فإن المذهب الزيدي الذي ينتمي إليه أغلب اليمنيين يقف حجر عثرة في طريق قيام النظام الاشتراكي الذي يشكل أساس العصر الجديد الذي أخرجناه إلى الوجود في اليمن وإن القضاء على النظام الامامي الذي هو معقل وحصن المذهب الزيدي سيمهد الطريق أمام إدخال الاشتراكية العربية وبدون فرض الاشتراكية على اليمن سيكون من المستحيل دمج هذه الأمة المتخلفة في الجمهورية العربية المتحدة بنفس القدرة مثل سوريا تختلف المنطقة الشمالية من اليمن تمامًا عن منطقة تهامة الساحلية حيث أن الجزء الأكبر من السكان هم من الشافعية الذين يعادون الإمام لأسباب دينية وعلى هؤلاء الشافعية يمكن الاعتماد إذا وجهنا ضربة للنظام الإمامي الذي يؤيده الزيديون وقد ذكرت سابقاً أسباب الخلافات التي ميزت العلاقة القائمة بين ولي عهد اليمن البدر ووالده الإمام أحمد أود أن أضيف أن الأمير مستمر في اكتساب الشعبية وسيكون حاكمًا أكثر شعبية من والده.
ومع ذلك يجب علينا أن نحسب أنه عند اعتلائه العرش قد يسير على خطى والده ويتمرد علينا ومن الواضح أن فهمي يشير هنا إلى ما قام به أحمد من إخراج اليمن من الجمهورية العربية المتحدة ويقول صديقنا عبد الله السلال إنه من المؤكد أنه سيفعل ذلك وقال يمنيون آخرون يزورون سفارتنا في صنعاء بين الحين والآخر نفس الشيء إن أفضل تكتيك يمكننا اعتماده لكسب تأييد اليمنيين لبرنامجنا هو تنفيذ انقلاب ويمكن تنفيذ ذلك بنجاح من خلال رشوة ضباط الجيش اليمني المقربين من الإمام والذين يحظون بثقته وبمساعدتهم يمكن إبعاد الإمام والأمراء عن الطريق دون إلقاء اللوم علينا، باختصار أود أن أؤكد أن كل الجهود التي بذلناها لضم اليمن إلينا والمضي قدماً ببرنامجنا للاشتراكية العربية في ذلك البلد وفي دول العالم العربي الأخرى محكوم عليها بالفشل ما لم نتمكن من وضع خطة فعالة لتحقيق ذلك إسقاط النظام الإمامي الذي يحول بيننا وبين تحقيق أهدافنا وكان هذا التقرير المخابراتي من المقدم فهمي بتاريخ 12 أغسطس 1961 وممهور بتوقيعه اسفل التقرير المقدم علي فهمي .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا